ماغي ماران : تنقل سيرتها الإستثنائية إلى السينما

ماغي ماران : تنقل سيرتها الإستثنائية إلى السينما

Partager

بين المواقف الراديكالية، الإبداع، والحساسية المفرطة، تمتثل أمامنا ماغي ماران ليس فقط كأحد أهمّ روّاد الرقص في العالم، إنّما كتجربة حياتية منفردة، الخيط الرابط فيها هو التفكير الإبداعي. كلّ هذا، خلال فيلم L’urgence d’agir : Maguy Marin الذي عرض بالأمس في اليوم الأوّل للقاءات الدولية للفيلم الوثائقي بتونس في دورته الثالثة عشر.

 

مخرج الفيلم هو دافيد مامبوش، إين ماغي ماران الذي كان يعيش أولى مراحل تكوينه في بطنها، في الوقت الذي كانت تستعد خلاله لعرض عملها الشهير "ماي بي". أعادته الصدفة فيما بعد للعمل في "ماي بي" بعد خمسة وثلاثين سنة من إنتاجه.

 

خلال الفيلم، تتحدّث ماران عن تفاصيل حياتها بلهجة واثقة، ثم تكسر كلّ الراديكالية التي تقع خلف نظاراتها بابتسامة صبيانية، حين تتحدث عن لقاءها مع صامويل بيكيت حين أرادت أن تطلب حقوق اقتباس نص "ماي بي". "كان وسيما جدا" تقول ماران ثم تظيف "ربما أحببته". بين قوّة الفنانة ونقاط ضعفها، بني الفيلم على مراحل حياة ماغي ماران الكبرى في مراوحة بين طفولتها، مواقفها، ومحطاتها الإبداعية الفاصلة، ليكون الخيط الرابط بين كل هؤلاء، هو "ماي بي"، هذا العمل المرجعي والمنعرج في مسيرة ماغي ماران الإبداعية.

 

بين تاريخ عائلي صعب، لأبوين قد فرّا من حكم فرانكو الإسباني إلى فرنسا، أب في غاية السلطوية، وزوج غائب، تعترف ماغي ماران بعلاقتها المتوترة مع الرّجل، وتلخّص الأمر ب"يخيفني الرّجال كثيرا". حالة من الخذلان، كان لوجود المرأة في حياة ماران دور كبير في تخفيف هذا الوقع وتنسيبه في بعض الأحيان.

ما ميّز ماغي ماران خلال مسيرتها وجعل منها رائدة في مجالها، هو تبنّيها لمواقف إنسانيّة كبرى، انعكست بشكل كبير ليس فقط على محتوى أعمالها الحمال لأبعاد سياسية واجتماعية كثيرة، إنّما على الشكل الذي تقدّم عليه هذه الأعمال. في لوحاتها الراقصة، ثارت ماغي ماران على المقاييس العامة للجمال، وعلى المؤهلات الجسدية التي وجب أن تتوفّر في الراقصين حتى يتسنى لهم إعتلاء المسارح، وقامت خلال مسيرتها بتقديم عروض تحمل شخصيات متقدّمة في السنّ، غير متناسقة المظهر، بدينة أو شديدة النحولة لتقول بشكل ما أنّ الرقص ليس حكرا على الأجساد المتكاملة. كما أعادت ماران خلال تجربتها تعريف الرقص، لتقدّمه في "ماي بي" بطريقة تختلف تماما عمّا كان يعرفه العالم عن هذا الفنّ.

 

صعبة المراس وجديّة جدا، لا تتخلى ماران عن أعضاء فريقها الذين شاركوها العمل منذ سنوات طويلة. فريق تحدّث كلّ من أعضاءه عن ماران وعن طبيعة العمل معها وخصوصيته، فتنعكس صورتها بشكل أدقّ على ملامح العرفان والشغف في وجوههم.

تميّز الفيلم بالكثير من التفاصيل، عن الأشخاص والأحداث وحتى الأعمال الفنيّة، كلّ هذه المكوّنات، لها مكان هام في كاميرا العائلة أو الفضاءات التي اشتغلت بها ماران، لنجد توثيقا تفصيليا للعديد من اللقاءات العائلية والعروض ما ساهم بشكل كبير في إنتاج هذا الفيلم الذي يجوب جميع أركان حياة ماغي ماران.